كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو قول مالك في موطئه؛ قال مالك في قول الله عز وجل: {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إصابتها وإمساكها؛ فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلّقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه.
قال مالك: وإن تزوّجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفّر كفارة التظاهر.
القول الرابع: أنه الوطء نفسه فإن لم يطأ لم يكن عَوْدًا؛ قاله الحسن ومالك أيضًا.
الخامس: وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق؛ لأنه لما ظاهر قصد التحريم، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه.
وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة.
السادس: أن الظهار يوجب تحريمًا لا يرفعه إلا الكفارة.
ومعنى العَود عند القائلين بهذا: أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها، قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد.
السابع: هو تكرير الظهار بلفظه.
وهذا قول أهل الظاهر النافين للقياس، قالوا: إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العَوْد، وإن لم يكرر فليس بِعَود.
ويسند ذلك إلى بكير بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة أيضًا، وهو قول الفراء.
وقال أبو العالية: وظاهر الآية يشهد له؛ لأنه قال: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} أي إلى قول ما قالوا.
وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} هو أن يقول لها أنت عليّ كظهر أمي.
فإذا قال لها ذلك فليست تحل له حتى يكفّر كفارة الظهار.
قال ابن العربي: فأما القول بأنه العَوْد إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعًا لا يصح عن بكير، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه.
وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لِعَود القول منهم، وأيضًا فإن المعنى ينقضه؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور، فكيف يقال له إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليه الكفارة، وهذا لا يعقل؛ ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم أو غيره.
قلت: قوله يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه حملٌ منه عليه، وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم، وأما قول الشافعي: بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات: الأوّل: أنه قال: (ثُمَّ) وهذا بظاهره يقتضي التراخي.
الثاني: أن قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} يقتضي وجود فعل من جهة ومرور الزمان ليس بفعل منه.
الثالث: أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء.
فإن قيل: فإذا رآها كالأم لم يمسكها إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح.
وهذه عمدة أهل ما وراء النهر.
قلنا: إذا عزم على خلاف ما قال ورآها خلاف الأم كفّر وعاد إلى أهله.
وتحقيق هذا القول: أن العزم قول نفسيٌّ، وهذا رجل قال قولا اقتضى التحليل وهو النكاح، وقال قولا اقتضى التحريم وهو الظهار، ثم عاد لما قال وهو التحليل، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقد، لأن العقد باق فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله أنت عليّ كظهر أمي، وإذا كان ذلك كفّر وعاد إلى أهله؛ لقوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}.
وهذا تفسير بالغ (في فنه).
الثانية: قال بعض أهل التأويل: الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ} إلى ما كانوا عليه من الجماع {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} لما قالوا؛ أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا: فالجار في قوله: {لِمَا قالوا} متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو عليهم؛ قاله الأخفش.
وقال الزجاج: المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا.
وقيل: المعنى الذين كانوا يَظَّهَّرون من نسائهم في الجاهلية، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الإسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة.
الفراء: اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء.
قال الأخفش: لما قالوا وإلى ما قالوا واحد، واللام وإلى يتعاقبان؛ قال: {الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 43] وقال: {فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم}
[الصافات: 23] وقال: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] وقال: {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ} [هود: 36].
الثالثة: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي فعليه إعتاق رقبة؛ يقال: حررته أي جعلته حرًّا.
ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملةً سليمةً من كل عيب، من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي؛ كالرقبة في كفارة القتل.
وعند أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكافرة ومن فيها شائبة رِقٍّ كالمكاتبة وغيرها.
الرابعة: فإن أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند أبي حنيفة.
وقال الشافعي يجزئ؛ لأن نصف العبدين في معنى العبد الواحد؛ ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزي كالإطعام؛ ودليلنا قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد، وبعض الرقبة ليس برقبة، وليس ذلك مما يدخله التلفيق؛ لأن العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها؛ أصله إذا اشترك رجلان في أضحيتين؛ ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا؛ ولأنه لو أوصى بأن تشتري رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم.
والإطعام وغيره لا يتَجَزَّى في الكفارة عندنا.
الخامسة: قوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} أي يجامعها فلا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير.
وحكي عن مجاهد: أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى.
وعن غيره: أن الكفارة الواجبة بالظهار تسقط عنه ولا يلزمه شيء أصلًا؛ لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر بها قبل المسيس، فإذا أخّرها حتى مسّ فقد فات وقتها.
والصحيح ثبوت الكفارة؛ لأنه بوطئه ارتكب إثمًا فلم يكن ذلك مسقطًا للكفارة، ويأتي بها قضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها.
وفي حديث أَوْس بن الصامت لما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه وطئ امرأته أمره بالكفارة.
وهذا نص وسواء كانت كفارة بالعتق أو الصوم أو الإطعام.
وقال أبو حنيفة: إن كانت كفارته بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم؛ فأما غير الوطء من القبلة والمباشرة والتلذذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء.
وقاله الحسن وسفيان، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
وقيل: وكل ذلك محرّم وكل معاني المسيس؛ وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي.
وقد تقدم.
السادسة: قوله تعالى: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} أي تؤمرون به {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} من التكفير وغيره.
السابعة: من لم يجد الرقبة ولا ثمنها، أو كان مالكًا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته، أو كان مالكًا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئًا سواه، فله أن يصوم عند الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصوم وعليه عتق ولو كان محتاجًا إلى ذلك.
وقال مالك: إذا كان له دار وخادم لزمه العتق فإن عجز عن الرقبة، وهي:
الثامنة: فعليه صوم شهرين متتابعين.
فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض، فقيل: يبني؛ قاله ابن المسيّب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي.
وهو أحد قولي الشافعي وهو الصحيح من مذهبه.
وقال مالك: إنه إذا مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح.
ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يبتدئ.
وهو أحد قولي الشافعي.
التاسعة: إذا ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزأه عند مالك والشافعي؛ لأنه بذلك أمِر حين دخل فيه.
ويهدم الصوم ويعتق عند أبي حنيفة وأصحابه؛ قياسًا على الصغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها، فإنها تستأنف الحيض إجماعًا من العلماء.
وإذا ابتدأ سفرًا في صيامه فأفطر، ابتدأ الصيام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة؛ لقوله: {مُتَتَابِعَيْنِ}.
ويبني في قول الحسن البصري؛ لأنه عُذر وقياسًا على رمضان، فإن تخللها زمان لا يحلّ صومه في الكفارة كالعيدين وشهر رمضان انقطع.
العاشرة: إذا وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارًا، بطل التتابع في قول الشافعي، وليلًا فلا يبطل؛ لأنه ليس محلًا للصوم.
وقال مالك وأبو حنيفة: يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة؛ لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين، وإلى أبعاضهما، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به، فلزمه استئنافه؛ كما لو قال: صلّ قبل أن تكلم زيدًا.
فكلّم زيدًا في الصلاة، أو قال: صلّ قبل أن تبصر زيدًا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها؛ لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا؛ والله أعلم.
الحادية عشرة: ومن تطاول مرضه طولًا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام.
ولو كان مرضه مما يرجى برؤه واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام.
ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه.
الثانية عشرة: ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم.
ومن تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفّر صام.
وإنما يُنْظر إلى حاله يوم يكفّر.
ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق.
ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى.
وإن كان اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه.
ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة أن يقطع ويبتدئ الطهارة عند مالك.
الثالثة عشرة: ولو أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه.
وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين.
وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين.
وقد قيل: إن ذلك يجزيه.